أمي تخاف علي من الحياة، وأنا اخاف الحياة بدون أمي...
.لو كان أمري بيدي لرفعتك لعنان السماء..
والله..
لن يوفيك حقك إلا الله..
والله..
لن يوفيك حقك إلا الله جل في علاه..
أما أخبار وعناصر هذا اللقاء بعد هذه المقدمة فأخبار وعناصر ستة..
أولها: الأم وما أدراك ما الأم..
ثانيها: احذر دعوة المظلوم..
ثالثها: لا أصدق أنهم فعلوا هذا بك..
رابعها: لماذا يبكي هذا..
خامسها: حقيقة لا خيال..
وآخرها: هذا هو ديننا..
فمع أول العناصر..
الأم وما أدراك ما الأم..
هي نموذج رحمة يتحرك بين أظهرنا ولا يلتفت إليه أحد بالإجلال والتقدير إلا من رحم الله..
الأم كتلة من الصبر..
وصورة حية للعفو والحلم..
يقول أحدهم..
الآن عرفت معنى قولهم ليس من سمع كمن رأى..
ليس من سمع كمن رأى..
يقول لقد سمعت كلامًا كثيرًا وأحاديث متنوعة عن عظيم فضل الأم..
وكنت كغيري أسمع ما أسمع فلا يكاد يتجاوز ما أسمع سوى أذني..
قد تهزني عبارة جميلة..
قد أحرك رأسي إعجابًا بأبيات جميلة ثم لا شيء في دنيا الواقع..
لكن الله أراد بي خيرًا إذ وجدت نفسي أتابع مراحل حمل زوجتي خطوة
خطوة..
وحين دخلت المسكينة في شهرها التاسع وتجاوزته بقليل تخيلت نفسي أنا ذلك المتكور في هذا البطن للمنتفخ..
وأنا أرى وأراقب بدأت أستشعر بعض من تلك المعاني التي سمعتها طويلًا وكثيرًا عن عظيم فضل الأم..
لقد رأيت ثم رأيت أمرًا هائلًا يدير الرأس، ويرقق القلب، ويدمع العين..
ومن ثم أخذت أقتنع تمامًا أنَّ هذه المرأة الجليلة الأم لم ينصفها الناس ولن ينصفوها أبدًا..
مهما زخرفوا الأقوال..
ورققوا العبارات..
ونسقوا الكلام..
والله..
لن يكافأها على الحقيقة إلا الله وحده..
ولذلك قالوا أجر الوالدين على الله..
يقول مواصلًا كلامه:
ليت المعاني تسعفني لكي أقرب الحقيقة..
لقد تشبعتها ليالي وأيام خلال أواخر شهرها التاسع، بل في ساعات الليل
والنهار..
فماذا رأيت !!..
رحماك يا الله ثم رحماك..
أوَ يستطيع الإنسان أن يتحمل كل تلك المعاناة والآلام..
لقد رأيتها تتحمل كل ذلك بفرح وسعادة وحبور مرات ومرات..
رأيتها وسمعتها وهي لا تدري وهي تطلق صرخة متوجعة فأحس بحرارة ألمها قد انتقل إلى قلبي مباشرة، فأجالد نفسي حتى لا تفضحني عيناي..
ثم أفاجأ بها بعد لحظة وقد أخذت تتبسم متناسية تلك الآلام وهي تشير إلى بطنها وتقول:
كم أحبك يا صغيري..
وكم أنا مشتاقة لرؤياك..
سبحان من صبرها على آلامها المتصلة مع الأنفاس..
تراها..
إذا تحركت تألمت..
وإذا جلست أنَّت..
وإذا اضجعت صرخت..
وإذا مشت تعبت..
وإذا حاولت النوم لتهجع قليلًا تعبت..
فهي لا تستطيع أن تتقلب على فراشها على راحتها كما كانت قبل هذا الحمل الثقيل الحبيب..
ومع هذا كله فهي لا زالت مطالبة في الغالب بالاهتمام بالبيت، وشؤونه الداخلية، ومتابعة الصغار ونظافتهم وإطعامهم وغسلهم ونومهم وما إلى ذلك مما هو وحده كفيل بهدّ جبل من الجبال، وتفتيت صخرة راسية، وإحراق البقية الباقية من الأعصاب المشدودة..