لا تقطعنَّ يدَ المعروفِ عن أحدٍ
أستدعى أحد الملوك، الشعراء إلى قصره فصادفهم شاعرٌ فقير بيده جرّة فارغة كان متوجهاً بها إلى البحر ليملأها ماء فرافقهم الأخير إلى قصر الملك
إلى أن وصلوا القصر، و قد بالغ الملك في إكرامهم و الإنعام عليهم
و لما رأى الملك الرجل و على كتفه الجرة و ثيابه الرثه، سأله:
من أنت؟ وما حاجتك؟
فأنشد الفقير:
لما رأيتُ القوم شدوا رحالهم
إلى بحرك الطَّامي أتيتُ بجرتي
فقال الملك: املأوا جرته ذهباً و فضةً
فحسده بعض الحاضرين، و قالوا للملك :
إنه فقيرٌ مچنون لا يعرف قيمة هذا المال، و ربما أتلفه أو ضيعه.
فمُل جرته ذهباً ؛ و خرج إلى الباب ففرّق المال على جميع الفقراء !
و قد بلغ ذلك الملك، فاستدعاه و سأله عن ذلك، فقال الفقير :
يجودُ علينا الخيّرون بمالهم
و نحن بمالِ الخيّرون نجودُ
فأُعجب الملك بجواب الفقير، و أمر أن تُملأ جرته عشر مرات و قال : الحسنةُ بعشر أمثالها.
فأنشد الفقير هذه الأبيات الشعرية التي يتم تداولها عبر مئات السنين:
الناسُ للناسِ ما دامَ الوفاءُ بِهِمُ
و العُسرِ و اليُسرِ أوقاتٌ و ساعاتُ
و أكرمُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ
تُقضى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
ما دُمت تقدِرُ و الأيام تاراتُ
و اذكر فضيلةِ صُنع الله إذ جعلت
إليكَ لا لكَ عِندَ الناسِ حاجاتُ
فماتَ قومٌ و ما ماټت فضائِلهم
و عاشَ قومٌ و هم في الناسِ أمواتُ
التلذذ بالعطاء و قضاء حوائج الناس، لا يعرفه سوى العظماء و أصحاب الأخلاق الفاضلة،
و ليس دائماً العطاء بالمنح، بل أحياناً يكون العطاء بالمنع !
فكتمان الڠضب، و ستر أسرار الناس، و كف اللسان عن أعراضهم، و مقابلة السيئة بالحسنة، هو من أنبل أنواع العطاء .